الصوت في القرآن الكريم
أنماطه ودلالاته(1/2)
الدكتور يونس حمش خلف
المقدمة
اللغة العربية من اللغات الحية، فهي تنمو وتتطور كالكائن الحي، ولها سبلها ووسائلها في الإثراء والخلق والابداع. كما أنها تعرف بانسيابية الفاظها وجماليتها في التعبير، ولذلك توصف بأنها لغة موسيقية.
وقد درجت اللغة العربية عبر تاريخها الطويل على السير وفق القوانين اللغوية التي اتسمت بها اللغات العالمية. لأن اللغة ظاهرة اجتماعية وفكرية، لذا فإنها خضعت لقوانين التطور اللغوي التي هي حالة حتمية في جميع اللغات، سواء كان ذلك في حالة تركيب المفردات، أو في اختراع مفردات جديدة وفق النظام الصوتي الذي يحكم اللغة فهناك مفردات تهمل وتترك فيكتب لها الموت بعد مدة من الزمان؛ إذ تختفي من الاستعمال اللغوي فتبقى جثة هامدة في بطون كتب اللغة فحسب.
في حين نجد أن هناك مفردات تظهر إلى الوجود؛ إذ تولد من رحم اللغة عن طريق الاشتقاق أو التعريب، أو عن طريق عوامل الإثراء اللغوي الأخرى.
وقد يحدث التطور في المفردة ذاتها، فهذه القبيلة تميل إلى إظهار هذا الصوت، وقبيلة أخرى تعمل على إخفائه أو التقليل من الاستعمال له، وهذا ناتج عن مؤثرات اجتماعية، أو إن البيئة تتدخل في مثل هذه الظواهر اللغوية، كما هي الحال مع الهمزة التي تعمل اللغة على تسهيلها في البيئة الحضرية، أما البيئة البدوية فنجد أن اللغة في الغالب تميل إلى تحقيق الهمزة أو إظهارها.
وقد يكون للبيئة تأثير في ثراء المفردات اللغوية، فلكل قبيلة من القبائل طائفة من المفردات التي تستأثر بها دون غيرها، وبمرور الزمن تنتقل إلى بقية القبائل، فتصبح هذه المفردات من جملة المفردات اللغوية التي اكتسبتها اللغة وهكذا..
وهناك صلة ما بين الألفاظ ودلالاتها في اللغة العربية، وتتجلى في طائفة من الألفاظ اللغوية التي وردت في القرآن الكريم الذي يعد المثل الأعلى للبيان العربي، كما أنه كتاب العربية الأكبر،..
وهذه دراسة في الصوت اللغوي الذي ورد في القرآن الكريم في أنماط متعددة، ومن ذلك ظاهرة تكرير الصوت في الفعل الرباعي المضعف مثل: زلزل ودمدم وزحزح وصرصر وكبكب وما إليها، إذ يتكرر الصوت الأول والثاني، فيصبح الصوت الأول والثالث، والثاني والرابع من جنس واحد. وقد يكون تكرير الصوت عن طريق مضاعفة الصوت الثاني كما في غلّق وقطّع وما شاكلهما.
وعمدت اللغة إلى زيادة الدلالة عن طريق أسلوب آخر، هو زيادة الأصوات في بنية الكلمة، فلكما كان المبنى في المفردات كثيرا زادت دلالاتها، لأن الزيادة في المبنى يتبعها زيادة في المعنى، مثل: اكتسب، واثاقلتم وغيرهما من الألفاظ.
ولا يقتصر الأمر في زيادة الدلالة على المبنى، بل قد يكون في الصفات التي يحملها الصوت، فهناك الأصوات المستعلية والمجهورة والمهموسة والمستمرة والانفجارية أو الشديدة، فيوصف الصوت بأنه شديد أو رخو كل ذلك يؤثر في الدلالة قوة أو ضعفا، زيادة أو نقصا كما سنلاحظ ذلك في أثناء البحث.
وقد انتظم البحث في عدة مباحث، تناول الأول حالة التكرير في الفعل الرباعي، وجاء المبحث الثاني في التبادل الصوتي، وضم المبحث الثالث: الزيادة في المبنى، وكان المبحث الرابع من نصيب الحروف المقطعة في أوائل السور، وتحدث المبحث الخامس عن الغرابة في اللفظ، واختتمت المباحث بالحديث عن الهاء في نهاية الكلمة.
إن فكرة المناسبة بين الصوت والمعنى قديمة؛ إذ بدأت عند اليونان، ثم انتقلت إلى العلماء العرب الذين حملهم على الربط بين اللفظ ومدلوله اعتزازهم بألفاظ العربية وإعجابهم بها، ومن ثم حرصهم على الكشف عن أسرارها وخباياها(1).
ولم يقتصر الأمر على العلماء العرب فحسب، فإن بعض المحدثين كان ميالا إلى القول بالمناسبة بين الألفاظ والدلالات، فمن الغربيين جسبرسن الذي كان ممن ينتصرون لأصحاب المناسبة بين الألفاظ ودلالاتها، غير أنه حذر من المغالاة في هذا(2).
والى مثل هذا الرأي ذهب الأنطاكي إذ يقول: "الكلمات التي من قبيل (كوداك) لها قيمة تعبيرية لا تنكر، وذلك أنها كلمات أشبه بأسماء الأصوات، فكلمة (كوداك) تصور لنا صورة هي صورة سمعية حتى وكأننا نسمع صوت المفتاح الذي يفتح الآلة لالتقاط الصورة ويغلفها"(3).
ويبقى القرآن الكريم معينا لا ينضب للبحث والدراسة، وتظهر فيه العلاقة بين أصوات الألفاظ ودلالاتها قوية جدا؛ إذ تتساوق مع عناية القرآن الكريم بالجرس والإيقاع في الأصوات والمقاطع والعبارات(4).
وهذه محاولة لإظهار ما في القرآن الكريم من ترابط ما بين الصوت اللغوي ودلالاته، أرجو أن اكون قد وفقت في إظهار جانب منها، فإن أصبت فمن الله الكريم الفضل والإحسان، وإن قصرت فهذا شأن الجهد البشري، وحسبي أني عملت (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) والحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات.
المبحث الأول
التكرير في الصوت لتكرير الدلالة
أ) التكرير في الفعل الرباعي المضعف:
من المظاهر اللغوية التكرير في الأصوات اللغوية، فمن المعلوم ان اللغة العربية ترجع في أصولها إلى البناء الثلاثي في الغالب، وهناك طائفة من الألفاظ ثنائية التركيب، وحين نجد تركيبا رباعيا أو خماسيا فإنما الأصل فيه الثلاثي، وسنعرض مجموعة من الألفاظ التي وردت في الاستعمال القرآني لنتعرف على كيفية التناسب بين تكرير الصوت وتكرير الدلالة فيها وهذه المجموعة: يتكرر فيها الصوت الأول مع الثالث، والثاني مع الرابع:
1. حصحص
الأصل في هذه المادة (حصص) ومعناه وضح وانكشف، قال الزجاج اشتقاقه في اللغة من الحصة، أي تبينت حصة الحق من حصة الباطل، عندما نقول حصحص الحق. وتأتي الحصحصة بمعنى المبالغة، يقال: حصحص الرجل إذا بالغ في أمره(5). وهذه المبالغة هي نتيجة لزيادة صوت الحاء فأصبح بناء الكلمة رباعيا بعد أن كان ثلاثيا.
وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم مرة واحدة في قصة يوسف [ع]، على لسان امرأة العزيز، قال تعالى: (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (يوسف: 51). فمعنى حصحص هو ظهور الحق وانكشافه وتمكنه في القلوب والنفوس، كما يقال حصحص البعير واستقر في الأرض(6).
2. دمدم
تأتي الدمدمة في اللغة لعدة معان، إذ يقال لصوت الهرة دمدمة، ويقال دمدم فلان في كلامه إذا أخرج صوتا غير مفهوم. ويقال ناقة مدمدمة إذا ألبسها الشحم، فإذا كررت الاطباق قلت دمدمت عليه(7).
وجاءت مادة دمدم في موضع واحد من القرآن الكريم، قال تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا) (الشمس: 14).
ومعنى دمدم أن العذاب قد أطبق عليهم وعمهم من جميع الجوانب، كما يقال للشيء السمين، كأنما دم بالشحم دما، إذ جعل الزجاج دمدم من هذا المعنى على التضعيف كما في كبكبوا وغيرها(8).
3. رفرف
يأتي الرفرف في اللغة معنى الحركة، إذ يقال: رفرف الطائر إذا حرك جناحيه، وهو لايبرح مكانه، ويأتي بمعنى البساط، فيقال فرشوا لنا رفرفا، وهو ضرب من البسط الخضر(9) وقد يأتي الرفرف بمعنى المنتشر من الأوراق(10).
وردت كلمة رفرف في القرآن الكريم في موضع واحد منه في وصف حال المؤمنين وما يجدونه من نعيم فيها، قال تعالى: (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) (الرحمن: 76). والرفرف: اسم جنس يأتي بمعنى الجمع ومفرده رفرفة، والمعنى أنهم متكئون على بسط تشبه الرياض. وإذا كانت الرفرفة مأخوذة من الحركة، فهذا يعني أنهم على تلك البسط المرفوعة التي ورد ذكرها في موضع آخر من القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) (الواقعة: 34) فالتكرير في الصوت يتبعه تكرير في دلالة المادة، كما هي الحال في حركة البساط أو أجنحة الطائر.
4. زحزح
الزحزحة في اللغة هي التنحية والدفع عن الموضع. قال ذو الرمة:
يا قابض الروح عن جسم عصى زمنا وغافر الذنب زحزحني عن النــار(11)
وبهذا المعنى جاء في الحديث الشريف أنه: (من صام يوما في سبيل الله زحزحه الله عن النار سبعين خريفا)(12).
وردت هذه المادة في موضعين من القرآن الكريم؛ إذ جاءت بصيغة الفعل الماضي المبني للمجهول في قوله تعالى: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران: 185). ففي الزحزحة تكرير للزح الذي يعني الجذب بعجلة، فمن تخلص من العذاب ووصل إلى الثواب فقد فاز بالمقصد الأقصى والغاية التي لا مطلوب بعدها(13).
وجاء في الحديث أن الرسول [ص] قال: (من أحب ان يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليؤت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه)(14).
وكذلك وردت هذه المادة في القرآن الكريم بصيغة الزحزحة. قال تعالى: (وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة: 96). قال القاضي: المراد أنه لا يؤثر في إزالة العذاب أقل تأثير، ولو قال تعالى: وما هو بمبعده وبمنجيه لم يدل على قلة التأثير كدلالة هذا القول(15). ففي الزحزحة معنى أبلغ من الزح، فالقرآن الكريم يختار اللفظ المناسب في الموضع المناسب.
5. زلزل
تأتي هذه المادة (زل) في اللغة بمعنى الحركة المعتادة، والزلة في الأصل: استرسال الرجل من غير قصد، يقال: زلت رِجلٌ، تزل والزلة: المكان الزلق، وقيل للذنب من غير قصد زلة تشبيها بزلة الرجل. والتزلزل يأتي بمعنى الاضطراب، إذ أن تكرير حروف لفظه تنبيه على تكرير معنى الزلل فيه(16).
وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم بصيغة الفعل المبني للمجهول، كما وردت بصيغة المصدر في سورة الزلزلة، قال تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) (الزلزلة: 1) فالزلزال بالكسر المصدر، والزلزال بالفتح الاسم، والمعنى أن الأرض حركت حركة شديدة، وفي ذلك تصوير ليوم القيامة.
وتأتي الزلزلة بمعنى الحركة، أي انك كررت تلك الإزالة، فضوعف لفظه بمضاعفة معناه(17). وكل ما كان فيه تكرير كررت فاء الفعل وعينه.
وجاءت هذه الكلمة بهذه الصيغة للتعبير عن هذه الحركة غير الاعتيادية، فهي أبلغ وأقوى في ذهن السامع، ومن أجل شدة هذه الحركة وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها شيء عظيم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج: 1).
6. صرصر
الأصل في هذه المادة يرجع إلى الصر والصرة وهي شدة البرد. وصرصر تكرر فيها صوت الصاد والراء، وبهذه الصيغة وردت في القرآن الكريم وصفا للريح، قال تعالى: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) (الحاقة: 6).
ويأتي الصرصر بمعنى الصوت أيضا، قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت البازي تقطيعا فقالوا: صرصر(18).
ولما كانت الريح الشديدة يكون لها صوت؛ لذا وصفت بالصرصر تشبيها لها بصوت البازي. وقد يكون معنى الصرصر: الشديدة البرودة، مثل الألفاظ الأخرى التي كررت فيها فاء الكلمة وعينها، فكأن البرد قد كرر فيها وكثر فهي تحرق بشدة بردها. وجاءت هذه الكلمة لتعبر عن الحالة أبلغ تعبير؛ إذ لا يمكن أن يسد غيرها مسدها بهذه الدلالة الصوتية الخاصة، لما تحمله من وقع تصطك له الاسنان ويشتد فيه اللسان، بجرس أصواتها الذي يضفي صورة الرهبة والفزع(19).
7. عسعس
ذكر أهل اللغة أن عسعس من الأضداد. يقال: عسعس الليل إذا أقبل بظلامه، وعسعس إذا أدبر، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد هو ابتداء الظلام في أوله أو إدباره في آخره(20). ومما جاء بمعنى أقبل قول الشاعر:
مدّرعات الليل لما عسعسا(21)
ووردت كلمة عسعس بمعنى الإدبار في قول العجاج:
حتى إذا الصبح لها تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا(22)
وقد وردت هذه المادة في موضع واحد من القرآن الكريم وصفا لليل. قال تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) (التكوير: 17).
فالعسعسة: هي رقة الظلام في طرفي الليل، فاقسم الخالق سبحانه وتعالى بإقبال الليل إذا عسعس وبإدباره أيضا/ وفي كل لفظ من هذا النوع فيه تكرير للصوت فإن الدلالة فيه تتكرر أيضا للزيادة في المعنى وإظهاره.
8. كبكب
معنى الكبكبة في اللغة هو تدهور الشيء إذا القي في هوة حتى يستقر فيها، فكأنه تردد في الكب(23). ويرجع ذلك إلى تكرير الانكباب كأنه إذا القي ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر(24).
وردت هذه المادة في القرآن الكريم بصيغة الفعل الماضي المبني للمجهول. قال تعالى: (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ) (الشعراء: 94). تتحدث الآية عن المشركين الذين اتخذوا من دون الله آلهة، فيوم القيامة تكبكب الآلهة ومن يعبدونها في نار جهنم. وحقيقة الكبكبة هي تكرير الكب، وجعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى، فجاء التعبير القرآني بهذه الصيغة، لأنها أبلغ من (كبوا) للإشارة إلى أنهم يكبون كبا عنيفا فظيعا(25).
9. وسوس
الأصل في هذه المادة هو دلالتها على الصوت، وهو مأخوذ من صوت الحلي. قال الأعشى:
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجلُ(26)
ويقال لهمس الصائد وسواس أيضا، ومن ثم أطلق الوسواس على كل شيء خفي كالحظيرة الرديئة وما يوحي به الشيطان(27) ، يقال وسوس إليه الشيطان، ووسوس الرجل، قال الشعر:
وسوس يدعو مخلصا رب الفلق(28)
وردت هذه المادة في القرآن الكريم ست مرات، يراد بها وسوسة الشيطان، ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) (الناس: 4-5) فجاءت بصيغة (الوسواس) الذي هو اسم للشيطان، والوسواس بالكسر هو حديث النفس وخطرات الشيطان. كما جاءت بصيغة الفعل المضارع (يوسوس)، قال أبو عبيدة: الوسوسة في القرآن الكريم: هي ما يلقيه الشيطان في القلب(29).
وأطلق (الوسواس) على الشيطان، الذي هو اسم بمعنى الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة، سمي بذلك إيغالا في المبالغة في التعبير عنه، وكأنه وسوسة في نفسه؛ لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه والمراد به ذو الوسواس(30).
إن هذه الظاهرة في اللغة العربية، أعني التكرير في بنية الكلمة، قد استحسنها قسم من علماء اللغة، يقول ابن جني: "إن هذا موضع شريف لطيف، قد نبه عليه الخليل وسيبويه وتلقته الجماعة بالقبول له والاعتراف بصحته". وعن حالة التكرير في الكلمات السابقة، يقول ابن جني في موضع آخر: اجعلوا المثال المكرر للمعنى المكرر، فكلما ازدادت العبارة شبها بالمعنى كانت أدل عليه(31).
ب) التكرير في عين الفعل الرباعي
هناك صورة أخرى من صور التكرير، هي تكرير العين في الفعل الرباعي؛ إذ جعلوا تكرير الصوت دليلا على تكرير الفعل، فالأصوات تابعة للمعاني فمتى قويت قويت، ومتى ضعفت ضعفت، ومن ذلك قولهم: قطع وقطع، وكسر وكسر، زادوا في الصوت لزيادة المعنى، واقتصدوا فيه لاقتصادهم فيه(32).
1. غلق
تأتي صيغة (فعّلت) في اللغة بمعنى التكثير في الفعل، مثل قولهم: قتّلت القوم وفرّقت جمعهم، وغلّقت الابواب، ولكن ذلك لا يكون على الاطلاق؛ إذ تأتي هذه الصيغة أحيانا ولا يراد بها التكثير، كما في قولهم: كلّمته وسويته وعلّمته وحيّيته وغذّيته وعشّيته وصبّت المنزل(33).
وردت كلمة غلّق في القرآن الكريم في قصة يوسف [ع]. قال تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) (يوسف: 23). إذ عدل التعبير القرآني عن صيغة (غلق) إلى (غلّق) لغرض بلاغي، قال الراغب: "أغلقت الباب أو غلّقته على التكثير، وذلك إذا أغلقت أبوابا كثيرة أو أغلقت بابا واحدا مرارا أو أحكمت إغلاق باب"(34).
والأصل في هذا مأخوذ من قولهم في كل شيء تشبث في شيء فلزمه قد غلّق يقال: غلق في الباطل وغلق في غضبه، ومنه غلق في الرهن، ثم يعدى بالألف فيقال: أغلق الباب إذا جعله بحيث يعسر فتحه. وجاء غلّقت على التكثير لأنها غلقت سبعة أبواب، ثم دعته إلى نفسها(35).
2. قطّع
مادة (ق ط ع) تدل على صرم وإبانة شيء من شيء. يقال: قطعت الشيء أو أقطعه قطعا، إذا فصلته ومنه ما كان مدركا بالبصر كالأجسام أو مدركا بالبصيرة كالأشياء المعقولة، ومن ذلك قطع الأعضاء نحو قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) (يوسف: 31).
فكانت المرأة من شدة دهشتها وحيرتها تقطع يدها، وهي تظن أنها تقطع الفاكهة. جاء في اللسان وصفا لتلك الحالة: "قطعن أيديهن قطعا بعد قطع وخدشتها خدشا كثيرا، ولذلك شدد"(36).
إن الزيادة الحاصلة في هذه الكلمات عن طريق التضعيف، وجدت لزيادة المعنى، وقد اكتفينا بمثالين للاستشهاد بهما على ذلك، وهذه الحالة في اللغة واسعة وكبيرة يقول عنها ابن جني: "زادوا في اللفظ هذه الزيادة لزيادة معناه، وكأن أصل هذا إنما هو لتضعيف العين في نحو المثال: قطّع وكسّر وبابهما، وإنما جعلنا هذا هو الأصل، لأنه مطرد في بابه أشد من اطراد باب الصفة"(37).
وعن دلالة هذه الصيغة (فعّل) في القرآن الكريم يقول أبو حيان: "إنها تدل على التكرير والتكثير، كما تدل على منتهى التفضيل إذ أن الزيادة في المبنى زيادة في المعنى"(38) ، فجعلوا تكرير العين دالا على تكرير الفعل، نحو فرّح وكسّر فجعلوا قوة اللفظ لقوة المعنى(39).
المبحث الثاني
التبادل الصوتي
توصف اللغة العربية بأنها لغة الفصاحة والبيان؛ إذ تعبر عن المعاني بأجمل الألفاظ وأحسنها من حيث قوة الأداء التعبيري، إذ تتساوق الأصوات في بنية الكلمة مع ما توحيه من دلالات تثيرها الصور الذهنية التي ترتسم في ذاكرة القارئ والسامع على حد سواء.
وهناك طائفة من الألفاظ تشترك في الدلالة على الشيء، بيد أنها تختلف في صوت واحد عن الكلمة الأخرى، مما يفضي قوة دلالية للكلمة، بحيث تختلف عن الكلمة الأخرى وهذا ما سنلاحظه في الكلمات الآتية:
1. أزّ وهزّ
إن دلالة الأز في اللغة تشبه دلالة الهز، ويقال: أزه أزا وأزيزا مثل هزه، وهي الحركة الشديدة. قال رؤبة:
لا ياخذه التأفيك والتحزّي فينا ولا قول العدى ذو الأزِّ(40)
كما جاء الهز بمعنى الحركة في قول تأبط شرا:
أهز به في ندوة الحي عطفه كما هز عطفي بالهجان الأواركُ(41)
وردت كلمة أز في القرآن الكريم، في مقام الحديث عن الكفار. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (مريم: 83). والمعنى أنها تحركهم تحريكا شديدا.
في حين جاء التعبير القرآني بكلمة (هزّ)، في الخطاب الإلهي الموجه إلى مريم [عليها السلام]، قال تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) (مريم: 25) ومعنى هزي: أي حركي جذع النخلة، ولأنه جذع يقتضي التحريك الشديد(42).
فالأز والهز يأتيان بمعنى الحركة، وهما في اللغة بمعنى واحد؛ بيد أن اختلاف الصوتين أدى إلى اختصاص كل صوت بالحالة التي سيق من أجلها. يقول ابن جني: "الهمزة أخت الهاء، فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين، وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة، لأنها أقوى من الهاء، وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز(43).
وهكذا نجد ان التعبير القرآني قد امتاز بالدقة في اختيار اللفظ المناسب للتعبير عن المقام بما يلائمه. ففي الحديث عن الكفار اختار الأز، لما في صوت الهمزة من شدة وصلابة، فالهمزة توصف بأنها من أشد الحروف في اللغة العربية، وهي أكثر الأصوات ملاءمة للبيئة البدوية لما فيها من الشدة والقوة؛ لذا فإنها ناسبت المقام الذي وردت فيه، على حين اختيرت الهاء في مقام الخطاب الموجه إلى مريم [عليها السلام]، انسجاما مع الحالة النفسية التي كانت تتسم بالقلق والاضطراب، لما كان يكتنفها من ظروف اجتماعية؛ إذ كانت متهمة في عفتها، فكيف تضع امرأة وليدا من غير زوج، فكان صوت الهاء الذي يتصف بالهمس والرخاوة أكثر مناسبة للموقف الذي عبر عنه؛ فجاء الصوتان أكثر ملاءمة للحالة التي عبر عنها كل من الصوتين في هذين الموضعين المختلفين.
2. مكة وبكة
ذهب قسم من علماء اللغة إلى أن اشتقاق بكّة مأخوذ من ازدحام والتدافع. يقال بك الناس بعضهم بعضا إذا ازدحموا. قال الراجز:
إذا الشريب أخذته أكّه فخله حتى يبكّ بكّه(44)
وقيل سميت بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم، قال بعد الله بن الزبير: لم يقصدها جبار قط بسوء إلا وقصه الله عز وجل(45).
واًل في المك أن يدل على المص أو الشرب، وهو مأخوذ من قولهم: امتككت المخ إذا مصصته، فسميت مكة بهذا الاسم لقلة مائها وكأن ماءها قد امتك. وكانوا يسمون الماء الذي يستخرجونه بهذا الاسم: المكة أو المكاكة. قال الشاعر:
يا مكة الفاجر مكي مكا ولا تمكي مذحجا وعكا(46)
وهناك من يرى أن بكة ومكة اسمان لمسمى واحد. قال مجاهد: بكة هي مكة، وجعله نحو: سبد رأسه وسمده، وضربة لازب ولازم في كون الباء بدلا من الميم(47).
ولم ترد المادة في القرآن الكريم سوى مرتين، مرة بلفظ مكة وأخرى بلفظ بكة، ففي معرض إشارة القرآن الكريم بالفضل والامتنان على المؤمنين، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) (الفتح: 24).
وجاء لفظ بكة في قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران: 96).
وذهب قسم من علماء اللغة إلى التفريق بين اللفظين. قال أبو عبيدة: بكة هي اسم لبطن مكة(48). وقال الطبري: "بكة موضع مزدحم الناس للطواف، فبكة موضع البيت ومكة ما سوى ذلك"(49).
والراجح أنهما يحملان دلالة واحدة، لأن الباء والميم يحصل بينهما تبادل صوتي لاتحاد هذين الصوتين في المخرج والصفة، فهما صوتان مجهوران، ومخرجهما من الشفة. وقد يرجع الاختلاف في النطق إلى اختلاف البيئة التي تنطق بالباء أو الميم، تبعا للقبائل العربية، وإن كان المفسرون لا يشيرون إلى من يقول بكة ولا يقولها بالميم(50).
3. سعد وصعد
ومن الألفاظ التي حصل بينهما تبادل صوتي هاتان الكلمتان: صعد وسعد، إذ جعلوا الصاد لأنها اقوى، لما فيه اثر مشاهد وهو الصعود في الجبل ونحو ذلك. في حين جعلوا السين لضعفها لما لا يشاهد حسا؛ إذ أن فيه صعود الجد لا صعود الجسم.
وهكذا عملت اللغة على اختيار الأصوات متساوقة مع ما تشير إليه من دلالات، فجعلوا الصاد لقوتها مع ما يشاهد من الأفعال الصعبة، لأن الصاد تمتاز بصفة الاطباق الذي يفيد التفخيم. وكان السين لضعفها فيما تعرفه النفس وإن لم تره العين، فصفة الهمس الذي تتصف به السين يتناسب مع الدلالة التي تحملها هذه الكلمة، فالدلالة اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية.
4. نضح ونضخ
الأصل في دلالة مادة (ن ض ح) في اللغة هو رش الماء، قال أهل اللغة: يقال لكل ما رق نضح، ومنه نضح جلده بالعرق، قال أبو طالب:
بورك الميت الغريب كما بو رك نضح الرمان والزيتون(51)
ومادة (ن ض خ) قريبة في الدلالة من مادة نضح، إلا أن النضخ أكثر منه(52). والنضخ: شدة فور الماء في جيشانه وانفجاره من ينبوعه، قال أبو علي: ما كان من سفل إلى علو فهو نضخ وعين نضاخة إذا جاشت بالماء(53).
وقد وردت مادة نضخ في القرآن الكريم، وصفا للعينين، قال تعالى (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) (الرحمن: 66). ومعنى نضاختان أي فوارتان، فجعلوا الحاء لرقتها للماء الخفيف، والخاء لغلظها لما هو أقوى منه(54) ، لأن الخاء من حروف الاستعلاء، والاستعلاء من أوصاف القوة، وحروفه تقيد التفخيم؛ لذا اكتسبت الكلمة قوتها الأدائية في التعبير عن المعنى، من قوة صوت الخاء.
5. وسل وصل
الأصل في مادة (و س ل) هو الرغبة والطلب، والواسل الراغب إلى الله تعالى، قال لبيد:
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم بلى كل ذي دين إلى الله واسلُ(55)
وتوسل إليه بوسيلة إذا تقرب إليه بعمل، قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الإسراء: 57) والوسيلة إلى الله سبحانه وتعالى هي مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحري مكارم الشريعة وهي كالقربة(56).
وتأتي توصل بمعنى توسل، يقال: توصل إليه أي تلطف في الوصول إليه، وجاء في حديث عتبة والمقدام: أنهما أسلما فتوصلا بالمشركين حتى خرجا إلى عبيدة بن الحارث. وتوصلا بمعنى توسلا وتقربا(57).
فالوسيلة والوصيلة بمعنى بيد أن إحداهما تتفوق على الأخرى في الدلالة؛ إذ أن الوسيلة أخص من الوصيلة، فالصاد أقوى صوتا من السين لما فيها من الاستعلاء المتمثل بصفة الإطباق، في حين أن السين يتصف بالهمس مما يجعله أضعف من الصاد. فجعلوا الصاد لقوتها للمعنى الأقوى، والسين لضعفها للمعنى الأضعف(58).
إن التبادل الصوتي بين الكلمات يضفي عليها دلالات خاصة، بحسب ما يحمله الصوت من صفات؛ لذا فإن دلالة الألفاظ تتقابل بما يشاكل أصواتها من أحداث، فكثيرا ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر عنها فيعدلونها بها ويحتذونها عليها(59).
وعن هذه الحالة في اللغة يقول السيوطي: "انظر إلى بديع مناسبة الألفاظ لمعانيها، وكيف فاوتت العرب في هذه الألفاظ المقترنة المتقاربة في المعاني؛ فجعلت الحرف الأضعف فيها والألين والأخفى والأسهل والأهمس لما هو أدنى وأقل وأخف عملا أو صوتا، وجعلت الحرف الأقوى والأشد والأظهر والأجهر لما هو أقوى عملا وأعظم حسا"(60).
الهوامش
ـــــ
(*) مدرس معهد اعداد المعلمات/ الموصل
(1) الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني: حسام النعيمي: 292.
(2) الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني: 292
(3) الوجيز في فقه اللغة للأنطاكي: 399.
(4) فقه اللغة العربية: كاصد الزيدي: 54.
(5) اللسان: 2/477.
(6) التفسير الكبير: 18/126.
(7) معاني القرآن واعرابه: للزجاج: 5/255.
(8) المفردات: 178.
(9) أساس البلاغة: 242.
(10) المفردات: 205.
(11) اللسان: 4/346.
(12) نفسه: 4:347.
(13) التفسير الكبير: 9/108.
(14) صحيح مسلم: 1844 باب الامارة.
(15) التفسير الكبير: 3/187.
(16) ينظر: المفردات: 219.
(17) التفسير الكبير: 6/18.
(18) الكتاب: 2/218، ينظر: الخصائص: 2/154.
(19) ينظر: الصورة الفنية في المثل القرآني: لصغير: 240.
(20) معاني القرآن وإعرابه: 5/226.
(21) اللسان: 6/247.
(22) التفسير الكبير: 31/73.
(23) المقاييس: 5/124.
(24) اللسان: 7/573.
(25) ينظر: التفسير الكبير: 24/141.
(26) بصائر ذوي التمييز: 5/208، العشرق: شجر يغرس في الأرض.
(27) المفردات: 537.
(28) الأساس: 674.
(29) بصائر ذوي التمييز: 5/208.
(30) التفسير الكبير: 32/199.
(31) الخصائص: 2/154، 156.
(32) الخصائص: 2/153.
(33) إصلاح المنطق: لابن السكيت: 145.
(34) المفردات: 366.
(35) التفسير الكبير: 18/92.
(36) اللسان: 7/416.
(37) الخصائص: 3/269.
(38) ارتشاف الضرب من لسان العرب: 1/84.
(39) الاقتراح: للسيوطي: 42.
(40) اللسان: 1/141.
(41) بصائر ذوي التمييز: 5/322، الأوراك: الإبل ترعى شجر الأراك.
(42) المفردات: 520.
(43) الخصائص: 2/148.
(44) الجمهرة: 1/19، وينظر الكشاف: 1/447.
(45) الجامع لأحكام القرآن: 4/138.
(46) الجمهرة: 1/120.
(47) المفردات: 67.
(48) مجاز القرآن: 1/97.
(49) جامع البيان: 4/7.
(50) الكشفا: 1/386، وفقه اللغة المقارن: للسامرائي: 259.
(51) المقاييس: 5/438.
(52) المقاييس: 5/438.
(53) اللسان: 8/588.
(54) الخصائص: 2/260؛ وينظر: المزهر: 1/50.
(55) المقاييس: 6/110.
(56) المفردات: 538.
(57) اللسان: 9/322.
(58) الخصائص: 2/162.
(59) الخصائص: 2/160.
(60) المزهر: 1/53.
0 التعليقات:
إرسال تعليق